ما هو اللوح المحفوظ
ما هو اللوح المحفوظ؟ وهل كتب الله تعالى مقادير الخلق كلهم فيه؟ لنتعرف على واحد من الغيبيات التي من الله بها على عبادة بمعرفة وجودها وغيبية مكنونها، ولنبحر من موقع زيادة فيما جاء به الكتاب والحديث النبوي حول اللوح المحفوظ.
ما هو اللوح المحفوظ؟
أن كل ذرة في هذا الخلق العظيم الذي لن يدركه عقل مخلوق، هي دلالة على عظمة الله تعالى وقدرته وقوته، أما للجواب على سؤال موضوعنا ما هو اللوح المحفوظ؟
فاللوح المحفوظ هو: الكتاب المبين، الذي حوى كل شيء وشمل كل شيء، فكل الخلق من أولهم لآخرهم ومن جمادهم لأعظم أرواحهم وملائكتهم، قد وضع الله أقدارهم كلها باللوح المحفوظ، ففيه عدد لنفاس العباد وحركاتهم وتحركاتهم، وفيه آجالهم ورزقهم ومماتهم وبعثهم وحسابهم.
فقال تعالى ذاكرًا اللوح المحفوظ فقال
(أَلمْ تَعْلمْ أَنَّ اللهَ يَعْلمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسِيرٌ). [الحج/ 70]
كما قال الله تعالى:
(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ). [59 الأنعام]
كما قال تعالى:
(وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). [11 فاطر]
اقرأ أيضًا: هل القرآن مخلوق
حكمة الله تعالى من خلق اللوح المحفوظ
بعلمنا لماهية ما هو اللوح المحفوظ؟ علينا أن نفهم حكمة الله تعالى على قدر عقولنا واستيعابنا لهذا الخلق العظيم.
فعلًّم الله تعالى من عِلمِه ما يشاء لِمَن يشاء، وقد أحاط الله بكل شيء علمًا،
قال تعالى (اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۖ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ۚ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [255 البقرة].
فقد علم الله وأحاط بعلمه كل شيء كبر أو صغر كما أنه تعالى هو من خلق كل شيء، أما عن عرشه فقد بين سبحانه وتعالى من آية الكرسي السابقة، أن عرشه وسع كل شيء.
فلا تتعجب من أي أمر تعلم أن الله خلقه، أو أن الله تعالى عنده مقادير السماوات والأرض ومن فيهِنَّ وما فيهِنَّ.
قال تعالى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [8 النحل].
أما عن علم الله تعالى الذي سبق وكتبه على اللوح المحفوظ فهو مسبوق قبل خلق الله لخلقه، والحديث التالي دليل هذا، قول النبي صلى الله عليه وسلم (كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) [رواه مسلم].
كما أن بيان أن الله عنده علم مالم يخلق بعد فلما خلقه كان ما كتب على خلقه فعلًا وتفصيلًا.
ففي سنن أبي داود عن عُبَادَة بْن الصَّامِتِ -رضي الله عنه- أنه قال لاِبْنِهِ:
يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ. فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ. قَالَ: رَبِّ! وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ).
يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي). روى أحمد والترمذي نحوه. وصححها الألباني
ففي كل ذلك دليل على أن الله تعالى أمر القلم فكتب كل أقدار العباد بل والخلق كله قبل أن يخلقهم، وأما حفظ هذا مقادير فكان في اللوح المحفوظ وهو الكتاب المبين الذي نحن بصدد شرح موضوعه الذي بعنوان ما هو اللوح المحفوظ؟
اقرأ أيضًا: تجربتي مع سورة الفاتحة للرزق
وصف اللوح المحفوظ
جاءت كتب التفاسير بما يصف اللوح المحفوظ كفي جواب جديد على سؤالنا ما هو اللوح المحفوظ؟
عن ابن عباس في وصفه منها أنه قال (اللوح من ياقوتة حمراء أعلاه معقود بالعرش وأسفله في حجر ملك، كتابه نور، وقلمه نور ينظر الله عز وجل فيه كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ليس منها نظرة إلا وهو يفعل ما يشاء: يرفع وضيعاً، ويضع رفيعاً يغني فقيراً ويفقر غنياً، يحيي ويميت ويفعل ما يشاء لا إله إلاَّ هو).
ومما جاء أيضًا في وصفه عن حَبْرِ الأُمة عبد الله بن عباس أنه قال (خلق الله اللوح المحفوظ لمسيرة مائة عامٍ فقال للقلم قبل أن يخلق الخلق: اكتب علمي في خلقي، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة).
فاللوح المحفوظ بمثابة الكتاب المبين الذي أمر الله القلم أن يكتب به مقادير العباد، فينظر الله كل يوم لهذا اللوح وما فيه من أقدار عباده المكتوبة عليهم.
فيغير فيه بعلمه وحكمته ما يريد من مقادير العباد، فيغني فقيرًا، أو يشفي مريضًا كان قد قدر له ألا يشفى من قبل، ويفعل الله تعالى ما يشاء، وهو أعلم بأحوال عباده والأصلح لهم.
اقرأ أيضًا: كم عدد حروف القرآن الكريم
هل أطلع الله أحد من خلقه على اللوح المحفوظ
لو أن الله تعالى أطلع أحد من عباده على هذا اللوح لأطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، فهو أحب خلق الله إلى الله تعالى، ولكن الله قد يطلع من يشاء من عباده على شيء من الغيب المحفوظ بالكتاب المبين.
فقد يطلع أحد ملائكته على أمر منه، كمن قال من المجتهدين بأن الله يطلع جبريل عل ما شاء من اللوح المحفوظ ليلقيه على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم من قرآ ن وعلم مختلف وغيبيات هامة أن يعرفها الناس مثل علامات الساعة وما هو متعلق بالغيب، وكان فضل الله تعالى لنا بأن نطلع عليه.
ففي هذه المنحة من الغيب للرسول والمسلمين وللأنبياء وأقوامهم ما فيه من النفع ما يعلم به المسلم الذي جاء في زمن بعد النبوات بما هو فيه حال عصره وليعرف ويقيم ما هو قد فات وما هو بأمر الله آتٍ.
وأجمع أغلب العلماء على أن تَلَقِّي الكتب السماوية من الله إلى الوحي كان إما بإذن الله لجبريل بأن يطلع على الجزء الذي يريد الله أن يرسله لأنبيائه ورسله، أو أنه كان بالوحي المباشر من الله على قلب جبريل عليه السلام ومنه إلى رسل الله تعالى وأنبيائه.
ومما ورد عن نظر الملائكة إلى اللوح المحفوظ ما جاء عن سيدنا إسرافيل أعظم ملائكة الرحمن، ونافخ الصور، فأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس قال : “بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل يناجيه إذ انشق أفق السماء ونزل ملك فقال : يا محمد ، إن ربك يقرئك السلام ويخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، قال : فقلت : نبي عبد ، فعرج ذلك الملك فقلت : يا جبريل ، من هذا ؟ قال : هذا إسرافيل ، خلقه الله بين يديه صافا قدميه لا يرفع طرفه ، بين يديه اللوح المحفوظ ، فإذا أذن الله في شيء من السماء أو في الأرض ارتفع ذلك اللوح فضرب جبهته فينظر فيه ، فإن كان من عملي أمرني به وإن كان من عمل ميكائيل أمره به ، وإن كان من عمل ملك الموت أمره به “ [أبو اليزيد في كتب السُنَّة].
فإسرافيل هو أمين الله بين الملائكة يبلغهم بما أطلعه الله عليه بإذنه من اللوح المحفوظ، فها نحن نرى أن حتى أوامر الملائكة مأخوذة من اللوح المحفوظ.
فهل قدرنا الآن ما هو اللوح المحفوظ، وأعطيناه قدره في خلق الله تعالى، ففيه خبرنا وخبر من قبلنا وخبر من بعدنا.
