هل روح الميت تبقى في البيت
هل روح الميت تبقى في البيت؟ هل ينتظر الميت زيارة أهله في القبر يوم الخميس؟ إن الروح والموت والعالم الآخر من أكثر الموضوعات تأويلًا وجدلية، فلا يقدر أحد على القطع به مما يترك مساحة واسعة من الحديث والافتراضات، لذا من خلال موقع زيادة سوف نعرف هل روح الميت تبقى في البيت وكل الأقوال القاطعة للعلماء المسلمين في مسألة الموت والبعث والروح في عالم البرزخ.
هل روح الميت تبقى في البيت؟
عند البحث في أي مسائلة من مسائل الغيب يكون القول القاطع لنا به استنادًا إلى كتاب الله -عز وجل- لنهتدي بقوله بها، إن لم يأتي ذكر صريح لها فنبحث في سُنن وأحاديث رسوله –صلاة الله وسلامه عليه-، وهنا نستدل بقول الله تعالى:
“عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا” [الجن: 27].
فمن الكفر بالدين أن نذهب لنستدل بأمر من أمور الله –عز وجل- قد اختصه سبحانه وتعالى لذاته، فنسأل به بشر من أهل الأمر يدعي المعرفة بالغيب وما في علم السماوات، فقد قال الله تعالى:
“قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ الآية” [النمل:65]
من هذه النقطة نستدل أن الروح والموت هي أشياء غيبية لا يعلمها إلا الله -سبحانه وتعالى- فلا يصح أن نكثر الأقاويل والافتراضات بها، فهي أمور لا يدركها إلا الله، مادام لم يرد لنا شيء من كتاب الله وسُنة رسوله عن بقاء روح الميت في منزل بعد وفاته.
إذًا فالرد على سؤال هل روح الميت تبقى في البيت هو إن زيارة الأرواح للمنزل وأهله من الأحياء أمر غيبي، بالتالي فلا يمكن لأحد أن يثبت تأكيده أو نفيه مادام لم يرد لنا في الشرع بقول صريح.
اقرأ أيضًا: روح الميت 40 يوم وماذا بعد الموت
هل رؤيا الميت حقيقة؟
قد قطعنا الشكوك في إجابة هل روح الميت تبقى في البيت، بأن تلك أمور غيبية، لكننا أمام مسألة أخرى الآن وهي زيارة الميت لأهله وأحبابه في المنام، لتكون رؤيته رؤيا صالحة ليدلنا على شيء أو يوصل لنا رسالة ما.
فقد اجتهد العلماء المسلمون في هذه المسألة فقال ابن القيم رحمه الله في كتابه ” الروح”: “وقد دل على التقاء أرواح الأحياء والأموات أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره ويخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر”.
فقد اجتهد الشيخ ابن القيم في البحث عن تلك المسألة فنقل ابن القيم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال في تفسير قوله تعالى:
“اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” [الزمر:42]
“بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الموتى ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها”.
جاءت اجتهادات أخرى من العلماء المسلمين لحسن القول في هذه المسألة فتم الاستدلال بقول الله تعالى:
“وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ” [الأنعام:60].
بالتالي فمرحلة الليل هي مرحلة الموت الصغرى، فيكون الأحياء خارج الحدود الفيزيائية الدنيوية وهو ما يسمح لهم بالانتقال وزيارة عالم البرزخ، لكن العلماء قطعوا بأن مسألة التقاء الموتى والأحياء في المنام تعتمد على توفر شيئين هما:
- صدق صاحب الرؤيا.
- صدق الرؤيا ذاتها.
لكن تبقى الأمور الغيبية هي أمور اختصها الله -سبحانه وتعالى- لذاته، فكل تلك هي اجتهادات من العلماء الأجلاء، لكن تبقى مسألة الروح والغيب وكل ما حوله من أمور إلهية هي أمور ربانية، فقد قال الله تعالى:
“وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً” [الإسراء:85].
هل ينتظر الميت زيارة الأحياء له؟
من تتابع الفقرات السابقة قد عرفنا رد سؤال هل روح الميت تبقى في البيت، وحقيقة زيارة الميت لأهله وأحبابه في الرؤيا، سوف نتطرق الآن لمسألة أخرى وهي انتظار الميت لزيارة أهله لقبره.
فقد جزم البعض أن الميت ينتظر يوم الخميس لزيارة أحد من أهله له، البعض الآخر جزم أن الروح تنتظر الزيارة يوم الجمعة، فهل الميت يشعر بزيارة الأحياء له من الأساس؟ وهل زيارة المقابر محببة أم محرمة؟
اقرأ أيضًا: هل تبقى الروح بعد الموت في البيت
حكم زيارة المقابر
عندما يتعلق الأمر بمسألة زيارة المقابر فنرجع للأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلاة الله وسلامه عليه، قد لا يتخيل أحد ماهية السؤال كيف تكون زيارة مقابر أحببانا محرمة وفيها الصالحون.
فقد ورد بالفعل اتجاه النهي عن زيارة المقابر، لكن قد ورد لنا حديث رسولنا الكريم لينهى هذا القول/ في قوله: “قد كنتُ نهيتُكم عن زيارةِ القبورِ فقد أُذِنَ لمحمدٍ في زيارةِ قبرِ أمِّه فزوروها فإنها تُذَكِّرُ الآخرةَ”
الراوي: أبو موسى الأشعري | المحدث: الألباني | المصدر: صحيح الترغيب
هذا الحديث له ارتباط بحديث آخر عن رسولنا الكريم، فقد كان الرسول دومًا ما يزور مقابر البقيع ويستغفر لأهلها، إذًا فإن زيارة المقابر أمر جائز لا ضير به، بل إن زيارة المقابر أمر محبب فقد أوصى الرسول –صلاة الله وسلامه عليه- بزيارتها للاتعاظ وتذكر الموت فلا نغلو بالتمسك بالحياة، فكان متن الحديث هو:
“زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ”.
الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم
هل يشعر الميت بمن يأتي لزيارته؟
الخوض في مسائل الموت والرد على سؤال هل روح الميت تبقى في البيت، وهل يزور الميت أهله في المنام، وقد أسفرت الفقرة السابقة عن إيجازه زيارة المقابر، لكن هل يشعر أو يسمع أهل القبور بمن يزورهم؟
سوف نكمل البحث الشرعي فيما ورد في القول الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنجد قول رسول الله مرشدًا لنا في تلك المسألة فقل: “إنَّ المَيِّتَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ، إنَّه لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعالِهِمْ إذا انْصَرَفُوا. وفي رواية: إنَّ العَبْدَ إذا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحابُهُ”.
الراوي: أنس بن مالك | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم
بمعنى أن الميت يشعر بمن يأتوا لدفنه، فيسمع خطوات خفق نعل المنصرفين، حتى ينصرفون فيأتي ملائكة الحساب له.
قد كان رسول الله –صلاة الله وسلامه عليه- يزور قبور أصحابه دومًا للترحم عليهم والاستغفار لهم، فكان عندما يصل للقبور يلقي السلام على أهل الدار الموت، فكان السلام على الموتى من سُنن الرسول كالسلام على الأحياء.
مع تأكيد الرسول أن للقبور أهل كما أن للمنازل أهل فوجب علينا احترام القبور وأهلها كما نحترم المنازل وأهلها، كما ورد في الحديث الشريف عن رسولنا العزيز: “لسلامُ عليكم أهلَ الدِّيارِ مِنَ المؤمنينَ والمسلمينَ، وإنَّا إنْ شاء اللهُ بكم لاحِقونَ، نسألُ اللهَ لنا ولكم العافيةَ”
الراوي: بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث: الألباني | المصدر: شرح الطحاوية.
اقرأ أيضًا: علامات خروج الروح من الجسد
أفضل وقت لزيارة القبور
في سؤالنا هل روح الميت تبقى في البيت، قد عرفنا القول القاطع به، لكن يمكن للأحياء أن يزوروا قبر الميت فتلك سُنة عن رسولنا –صلاة الله وسلامه عليه- كما ذكرنا في الفقرات السابقة، لذا نجد السؤال المتتابع مع هذه النقطة هو ما هو أفضل وقت لزيارة قبر الميت؟
فقد جزم البعض أن الميت ينتظر زيارة أهله يوم الجمعة، فسوف نعرف الآن رأي المذاهب الأربعة في هذه النقطة:
- رأي مذهب الأحناف: إن الميت ينتظر زيارة أهله في يوم الجمعة واليوم الذي قبله –أي يوم الخمس- واليوم الذي بعد –أي يوم السبت- فيفضل زيارته في هذه الفترة.
- رأي المالكية: إن الميت ينظر زيارة أهل من عصر يوم الخميس حتى طلوع شمس يوم السبت، أي اتفق المالكين مع الأحناف في تفضيل زيارة الميت يوم الجمعة.
- رأي الشافعية: اتفق الشافعيين مع المالكين في القول فاتفق في أن الميت ينظر زيارة أهل من عصر يوم الخميس حتى طلوع شمس يوم السبت.
- رأي الحنابلة: جاء رأي الحنابلة يقول بأن أفضل وقت لزيارة الميت هو من فجر الجمعة حتى طلوع شمس السبت.
إن الروح من أمور الله –عز وجل- فلا نبحث في أمر لم يخصص لنا بل نجتهد في فهم الشريعة التي اصطفانا الله ببيانها لنا.
